"أنا على يقين أن كتبي وأعمالي ستظهر في يوم من الأيام وتأخذ مكانها اللائق بين الناس".. قالها الأديب الراحل علي أحمد باكثير الذي جسّد بأدبه الأديب الثائر والحالم، الذي عبر عن حلمه بوجود وحدة عربية وإسلامية بالمعنى الذي يتماشى مع العروبة والإسلام من خلال مسرحياته ورواياته وقصائده الشعرية.. وكانت تنبؤاته بما سيطفو على السطح جرسًا للإنذار لم يستوعبه الكثيرون.
ولد علي أحمد باكثير في 21 ديسمبر عام 1910 بجزيرة "سورابايا" بإدونيسيا لأبوين يمنيين ينتميان لحضر موت، ولكثرة ترحال أبيه عبر القوافل التجارية كانت المصادفة أن يولد هناك فاكتسب تنوعًا ثقافيًّا بين العربية والإندونيسية.
تلقى "باكثير"، تعليمه في حضر موت بمدرسة النهضة العلمية، والتي تولى إدارتها عندما بلغ العشرين من عمره بعد ذلك، كما درس العلوم العربية والشريعة على يد كبار العلماء، والتحق بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية بجامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة حاليًا"، كما أنه تزوج وهو في الثامنة عشرة، لكن الموت حرمه من زوجته وهو في الحادية والعشرين، وحاول التغلب على أحزانه، فقام برحلات عدة ما بين الحبشة والصومال واستقر زمنًا بأرض الحجاز التي نظم فيها مطولته الشعرية "نظام البردة" وكتب أول مسرحية شعرية له "همام في بلاد الأحقاف" واللتان تمت طباعتهما في مصر بعد ذلك.
"لن أتوقف عن الكتابة.. ولا يهمني أن ينشر ما أكتب في حياتي"..
تتسم أعمال "باكثير" الأدبية- خاصة المسرحية منها- بأنها تكاد تتنبأ بما سيحدث على مدى الأعوام القادمة على صعيد الأحداث التي تمر بالأمة العربية والإسلامية، فكان واحدًا ممن حكوا عن مأساة فلسطين عام 1944 بملحمته المسرحية "شيلوك الجديد" التي أعقبها النكبة عام 1948 بقيام دولة إسرائيل، وتحدث باستفاضة عن القضية الفلسطينية وعن دولة إسرائيل وإرثها من قديم الأزل ما بين الماضي والحاضر والمستقبل في أعماله التي أرّخت لهذا الموضوع "إله إسرائيل، التوراة الضائعة، شعب الله المختار، مسرح السياسة".
وفي عام 1945 كتب "باكثير" عن ملحمة استقلال لإندونيسيا في مسرحية "عودة الفردوس"، والتي من خلالها ترجم إلى العربية السلام الوطني لإندونيسيا بعد استقلالها من الاحتلالين الهولندي والياباني على يد الزعيم أحمد سوكارنو، كذلك تنبأ بسقوط الشيوعية من خلال روايته "الثائر الأحمر" والتي انتظرت لتتحقق عام 1991 بسقوط الاتحاد السوفيتي، كما أنه تنبأ بنكسة عام 1967 من خلال روايته القصيرة "الفارس الجميل".
"إنني أرى جيلًا مسلمًا قادمًا يستلم أعمالي ويرحب بها"..
أثناء تواجده بمصر ربطت "باكثير" علاقات وطيدة برموز الأدب العربي مثل نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، عباس العقاد، إبراهيم المازني، محيي الدين الخطيب، صالح جودت، عبدالحميد جودة السحار، محمد عبدالحليم عبدالله"، واستطاع بأعماله المسرحية أن يحتل مكانة بارزة بينهم، وساهم في تأسيس الفرقة القومية للفنون الشعبية المصرية عام 1959 ونُقل بعد ذلك إلى الرقابة على المصنفات الفنية وظل يعمل بوزارة الثقافة حتى وفاته في مثل هذا اليوم 10 نوفمبر عام 1969، ودُفن بمقابر الإمام الشافعي.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق